هل الفشل يؤدي للنجاح؟ سؤال يبدو للوهلة الأولى أنه غريب وهو بالفعل كذلك، لكنه سؤال يطرحه الناس بشكل عام ويطرحه التربويون وعلماء النفس, ذلك أن الإجابة المباشرة عن هذا السؤال قد تكون "لا", إذ لا يخطر على البال أن يكون الفشل أو الخطأ طريقاً للنجاح, لكن التأمل والتروي في هذا السؤال قبل الإجابة عنه قد يعطيان فرصة للإجابة بـ "نعم", أي أن الفشل قد يكون طريقاً للنجاح والتفوق. ما يدعو إلى طرح هذا السؤال هو ردود فعلنا إزاء الأخطاء أو حالات الفشل التي قد نقع فيها أو يقع فيها أبناؤنا أو طلابنا. ردود الفعل قد تكون متشنجة وقوية لدرجة الشعور بالألم الشديد، ليس هذا فقط, بل الإحساس بالإحباط, والرؤية السوداوية, وكره الحياة من قبل الفرد الذي حدث منه الخطأ أو فشل في الوصول للهدف, لماذا لأنه لمس من محيطه ردود فعل غير مشجعة ومثبطة وكأن الأمر قد حسم وانتهى. إن ما يلمسه الفرد, ويحس به من ردود فعل من قبل المحيطين به سواء كانوا آباء أو أقارب, أو مسؤولين أو زملاء عمل, أو معلمين, قد يكون سبباً في شعوره بالضعف, والدونية, وشعوره بالعجز الناتج من الموقف, وردود الفعل نحو الموقف, والذي لا يعني بالضرورة فقداناً للقدرة أو الاستعداد لإنجاز الموضوع أو المهمة المراد القيام بها عجزاً حقيقياً. التاريخ البشري مليء بالنماذج التي حوّلت الفشل الذي مرت به إلى نجاح وتفوق، وكم من المبدعين الذين فشلوا في المدرسة, وطردوا منها لكنهم مع ذلك لم ييأسوا, وواصلوا الجهد تلو الجهد, وثابروا حتى أبدعوا, ودوّنهم التاريخ في لائحة الشرف نظراً لإبداعاتهم، ونجاحهم الذي استفادت منه الإنسانية. لو تأملنا في هذه النماذج لوجدنا أن الأساس النفسي لهؤلاء قائم على عدم اليأس, وتطبيق مبدأ التعلم بالمحاولة والخطأ على ألا يعني هذا المبدأ إضاعة الوقت, وتبذير الأموال بحجة محاولة التعلم, بل لا بد من حضور مبدأ الاستفادة من الأخطاء, وهذا لا يتحقق ما لم يتأمل الإنسان في هذه الأخطاء, ويفكر فيها, ويعرف كيف حدثت ولماذا حدثت, وهل من قاعدة أو أساس تنتظم حوله هذه الأخطاء. بهذا يكون التعلم بالمحاولة والخطأ مفيداً. من المبادئ المرتبطة بتحويل الفشل إلى نجاح المبدأ القائل إن الفشل يمثل الفرصة للبدء من جديد, ولكن بصورة ذكية, وهذا يعني عدم الهروب من الموقف, ولكن محاولة إيجاد الحل أو الوصول للحقيقة بشأن الموضوع من خلال طريق آخر أو بأسلوب آخر, أي بإمعان التفكير والتروي وإعادة التفكير مرات ومرات حتى يصل للحل من خلال فكرة إبداعية قد يطول انتظارها لكنها تأتي لا محالة. إذ لا معنى لإعادة المحاولة بالأسلوب الذي أخفقنا فيه. التصرف الذكي يتطلب البحث عن الحل بعدة طرق، وتجريب هذه الطرق, مع حضور ذهني يدرك التغيرات في الموقف والعلاقة بين العناصر والمتغيرات المشكلة له, وهذه خاصية لا بد من توافرها عند من يود التعلم من الأخطاء. سئل أحد كبار المديرين في إحدى الشركات العملاقة في الولايات المتحدة الأمريكية, هل تطرد موظفاً يعمل في شركتك ارتكب خطأ كلف الشركة مئات الآلاف من الدولارات؟ فرد قائلاً: لا أطرده, ولكن أصرف مئات الآلاف من الدولارات لتدريبه ومعرفة لماذا أخطأ وكيف أخطأ. التأمل في هذه المقولة لهذا المدير تكشف الحكمة المتوافرة لديه في استثمار الأخطاء لصالح الشركة ولصالح الفرد في الوقت ذاته, طالما أن الخطأ ليس مقصوداً، بل هو خطأ بشري يعكس القصور البشري الذي يقع فيه أي إنسان مهما بلغ من العمر أو الخبرة. ما من شك أن عدم حدوث الخطأ هو الأفضل, لكن عند حدوثه يجب ألا يكون سبباً في التوقف, واليأس, وتوقف نبض الحياة لدى الفرد. وإذا ما توافرت الفرصة للتدريب الجيد, وحسن الاختيار للأفراد، فهذا سيكون أفضل في حق الأفراد, أو المؤسسات التي يعملون فيها. إن كيفية إدراكنا الموقف الذي يقع فيه الخطأ قد تنعكس على صورتنا نحو أنفسنا, وإذا ما حدث الخطأ من الفرد فعليه أن يكون كبيراً بما فيه الكفاية ليعترف بالخطأ, وذكياً بما فيه الكفاية ليستفيد منه, وقوياً جداً ليصحح الخطأ الذي وقع منه من أجل أن يتجاوز الآثار السلبية لهذا الخطأ. كم من الأفراد لديهم الشجاعة للاعتراف بأخطائهم؟ لقد رأينا نماذج بشرية في عصرنا الحاضر وفي غيره من العصور تعترف بخطئها وتقر به رغم أنها قليلة مقارنة بعدد من يقترفون الأخطاء, وهذه نقطة البداية بهدف الوصول إلى النجاح. عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو أمير المؤمنين وقائدهم يعترف بالخطأ, ويقول مقولته المشهورة: أخطأ عمر وأصابت امرأة. الاعتراف بالخطأ ليس عيباً، بل هو عين القوة ومؤشر الثقة بالنفس, فإدراك الفرد خطأه وتحديده يقوده لتصحيحه والبحث عن حلول لهذا الخطأ. وإذا كان الاعتراف بالخطأ هو الخطوة الأولى للنجاح, فإن التعامل بذكاء يمثل الشرط الآخر والأساسي إذا ما أراد الفرد الاستفادة من الخطأ. أما الشرط الثالث فهو توافر القوة لدى الفرد والقدرة المناسبة لتصحيح الخطأ. وهذا ما أكده القرآن الكريم حيث يقول - عز وجل - "إن خير من استأجرت القوي الأمين"، فالضعيف في داخله لا يمكنه الاعتراف بالخطأ كما أنه لا يتخذ الإجراءات, والأسباب المناسبة لعلاج الخطأ وتفادي آثاره. الشعور بالأمن الشخصي هو أحد مؤشرات القوة, ومن دونه يدمّر المدير نفسه, والمنظمة التي يشرف عليها, وبالأمن النفسي الذي يشعر به الفرد تتحقق القدرة على معالجة الأخطاء بعد تحديدها وتقبلها. الأخطاء تمثل مدرسة ذات قيمة في حياة الفرد, والأمم على حد سواء إذا ما توافرت الرغبة للاستفادة منها، لكنها قد تتحول إلى مرض فتاك ينهك الفرد والأمة إذا هي تراكمت, ولم تستثمر بالشكل الذي يخدم صاحبها, ويحدد له معالم الطريق. وهذا ما يميز بين الأفراد والأمم, فكم من أفراد استطاعوا تحويل أخطائهم إلى نجاحات, وكم من أمة جعلت من نفسها نهباً للأخطاء والفشل لأنها لم تتمكن من استثمار هذه الأخطاء، والخروج بالدروس منها. في صدر الإسلام وفي غزوة أحد هُزم المسلمون لأنهم أخطأوا حين لم يلتزموا بأمر القائد - عليه الصلاة والسلام - لكنهم فيما بعد استفادوا من هذا الخطأ وجعلوا منه درساً, وظفوه في الوقائع التي تلت غزوة أحد. لو تأملنا في أنفسنا أفرادا وفي مجتمعاتنا لوجدنا أننا نكرر الأخطاء ونتضرر بهذه الأخطاء أضرارا نفسية، مادية، أسرية، سياسية, اقتصادية, وثقافية, ومع ذلك ننساق وراء هذه الأخطاء وكأنها تحمل في طياتها خاصية الجاذبية فنجد أنفسنا دون عناء أو تفكير ننجر وراءها ونعيد تكرارها. إن قدرتنا على تحديد أخطائنا, والاعتراف بها, ووضع خطة موضوعية لعلاجها ستكون الأسلوب الأمثل لتحقيق أهدافنا حتى ولو كان المرور ببعض الأخطاء مؤملاً ومكلفاً في بعض الأحيان.
د. عبدالرحمن الطريري
0 comments:
Post a Comment